المنهجية في دراسة القانون
المقدمة:
يقوم رجال القانون بأدوار متعددة في المجتمع، كقضاة أو محامين، أو وسطاء أو مستشارين، وأساتذة وكتاب عدل وغيرهم. والنسبة الأكبر منهم يخدمون مجتمعهم بتمثيل مصالح موكليهم أفرادا كانوا أو مؤسسات أمام المحاكم والأجهزة الإدارية أو أجهزة التشريع.
ويحتاج طالب الحقوق، الذي يسعى لأن يكون أحد هؤلاء الرجال، إلى أساس من المعلومات القانونية ليتمكن من البناء عليه في دراسته، والقيام بمهامه وواجباته. فكيفية
جمع هذا الأساس من المعلومات وتنظيمها و
إدراجها في
مستندات خطية هي إحدى أعظم المهارات التي يجب اكتسابها وتوسيعها خلال السنوات الأولى من دراسة القانون، وأثناء تطبيقها فيما بعد، كآليات وطرق وأساليب لجمع المعلومات القانونية واستثمارها في الزمان والمكان المناسبين.
وهي
ما يسمى بالمنهجية القانونية التي هي موضوع هذه الدراسة.
تظهر أهمية المنهجية في مجال القانون كأداة فكر
وتنظيم، وتخطيط وتنفيذ، وفن وابداع، تستعمل مجتمعة كوسائل لإعداد طلاب الحقوق لممارسة مهامهم القانونية لاحقاً، كما يستعملها رجال القانون أثناء قيامهم بواجباتهم.
فالمنهجية بمفهومها الفلسفي هي الفكر السائد المتبع في الأبحاث العلمية، وبمفهومها العلمي هي أحسن الطرق أو الأساليب التي يتبعها العقل البشري لمعالجة أو دراسة موضوع أو مسألة ما، بغية التوصل إلى الكشف عن الحقيقة لإقناع الذات أو لإثبات حقيقة ما لإقناع الغير. و اذا كان القانون واسعاً جداً، ولا يمكن للعقل البشري أن يحفظه، فإن بإمكان العقل العادي أن يستخدم وسائل ليتعلم أو يعرف كيف يبحث عن حل أو قاعدة قانونية. وإذا وجدها أن يعرف معناها، واذا عرف معناها أن يعرف كيف يفسرها للآخرين، وكيف يوصل قناعته إلى عقل القراء أو المستمعين . وهذه الأساليب التي نعتمد هي ما يسمى بمنهجية التفكير، تلك المنهجية التي و إن تطورت مع تطور وسائل التعليم والدراسة ، لكن أصولها الأساسية تبقى ذاتها مهما تغيرت أوضاع الشخص واختلفت ظروف حياته.
· أسباب اختيار الدراسة:
أقر تدريس مادة المنهجية القانونية حديثاً في برامج كلية الحقوق، وكان إدراجها في مقررات الكلية يهدف إلى إرساء المنهج العلمي بما يمثله من طرق وأساليب تسمح بترسيخ قدرات الطالب على الفهم والتفسير واكتساب كيفية تنظيم دراسته، واعداده للقيام بمهامه في حياته الأكاديمية والمهنية بمسؤولية وعلى أحسن وجه.
وقد جاء هذا الإقرار متأخرا بعد أن أصبحت منهجية البحث العلمي وأساليب القيام بها من الأمور المسلم بها في المؤسسات الأكاديمية و مراكز البحوث، بالإضافة إلى انتشار استخدامها في معالجة المشاكل التي تواجه المجتمع بصفة عامة، حيث لم يعد البحث العلمي مقتصرا فقط على ميادين العلوم الطبيعية وحدها بل تعداها إلى رحاب العلوم الانسانية، وخاصة مجالات العلوم القانونية، التي يحتل فيها الجانب العملي دورا أكبر بكثير من باقي العلوم الاجتماعية الأخرى.
أما دوافع إعدادي لهذه الدراسة المبسطة فهو أنه خلال تدريسي لمادة التمارين العلمية لمادة
القانون الاداري، خلال العام الدراسي 2006 – 2007، لاحظت عدم إلمام الطلاب
بكيفية التعليق على القرارات الإدارية وطرق استخراج
الحلول
القانونية. ولما أتيحت لي فرصة تصحيح مسابقات مادة المنهجية في نهاية العام الدراسي لفت نظري أن معظم الإجابات كانت مجرد حفظ غيبي لبعض المواضيع المتوقعة، رغبةً في إحراز بعض العلامات التي تؤهل الطالب للنجاح في المادة، واذا لم يحالفه الحظ يعاود الكرة ثانية دون فهم مضمون المادة سواء من الناحية النظرية أو من الناحية التطبيقية.
وعندما سنحت لي الفرصة للاطلاع على عدد من رسائل الدراسات العليا لاحظت كثرة المعلومات مع سوء التوزيع، بسبب افتقار الطلاب إلى منهجية تساعدهم على تنظيم معلوماتهم بتسلسل منطقي يؤدي إلى نتيجة واضحة. عندها
أدركت الخلل المنهجي الذي يعانيه طلابنا في الجمع ما بين النظرية والتطبيق اذا صح التعبير.
إن معظم الطلاب يتعاملون مع مادة المنهجية كإحدى المواد النظرية التي تحفظ غيباً وتنسى بعد الامتحان مباشرة، فلا يعيرون المادة الأهمية اللازمة معتبرين أنها مادة غير أساسية، كما أن الكثير منهم يعتقدون أن الرسالة أو الأطروحة أو المقالة هي عملية تجميع لمعلومات تدور حول موضوع معين، دون أن يدركوا أن هذه المعلومات التي يتلقونها في الكتب والمحاض ا رت ليست أكثر من مادة خام عليهم استخدامها بأسلوب وطريقة فنية، أي بمنهجية معينة لإنتاج العمل المطلوب منهم.
انطلاقا من تحديدي لهذه المشكلة المنهجية عزمت على مقاربتها بأسلوب جديد يهدف إلى تبسيط المادة وشرحها بما يتناسب والمستوى الثقافي لطلاب الحقوق، كما قررت التحول بها من الحيز النظري البحت إلى حيز التطبيق العملي، رغم صعوبة ذلك أمام عدد كبير من الطلاب يفترض بهم المشاركة في تطبيق ما أعرضه أمامهم لترسيخ الأساليب والطرق التي يتعلمونها نظرياً.
·
هدف الدراسة:
إذا كانت المنهجية هي إنارة الطريق أمام الباحث عن الحقيقة في أي علم، كما يقول الفقيه الفرنسي "فرنسوا
جيني" ف كتابه عن "مصادر القانون و المنهج" (Geny,
Me’thode L’interpre’tation) . فإن غايتنا من هذا الكتاب هي وضع دليل أمام الطالب حول كل مشكلة
منهجية تعرض له أثناء عمله، وتهدف
الى إكسابه مجموعة طرق وأساليب عمل تساعد على تكوين شخصيته القانونية المستقلة وتعليمه كيف يفكر وكيف يستخرج النقاط القانونية، وتعويده على تحمل العبء بنفسه.
كما تهدف هذه الدراسة إلى مساعدة طالب الحقوق والباحث القانوني في مجالي البحث القانوني النظري والتطبيقي، أو عند تناوله لمشكلة قانونية، وذلك بأسلوب علمي متعارف عليه من خلال معرفة المفاهيم والأسس التي يقوم عليها البحث القانوني، والاختيار السليم للمشكلة محل البحث، واختيار أنسب الطرق لجمع المادة العلمية أو التوصل إلى حقائق يمكن الثقة في صحتها.
ونأمل أن تساهم هذه الدراسة في إعداد الطالب إعداداً جيداً من خلال تزويده بالمهارات التي تجعله قادرا على تصميم خطة البحث وتنفيذها، واكسابه الخبرات التي تجعله قادرا على القراءة التحليلية الناقدة لما كتبه الغير وتقييمه والحكم عليه.
لهذا حاولنا أن نضع أمام الطالب نماذج تطبيقية لخطوات عمل في مجال الأبحاث القانونية، والخطوات الواجب اتباعها، بداية من اختيار الموضوع محل البحث وصولاً إلى جعله مؤلفاً صالحاً للنشر أو العرض على لجنة المناقشة والحكم. كما قمنا بتبسيط هذه المادة لجعلها مساعدة في إزالة تعقيد باقي المواد القانونية.
· المنهجية المعتمدة:
اطلعت على معظم كتابات الفقهاء اللبنانيين حول مادة المنهجية والعديد من الكتابات العربية، التي استقت معظم أفكارها من كتابات الفقهاء الفرنسيين وأخذت منهم المبادئ والقواعد التي باعتقادي يحتاجها الطالب في دراسة. وكي لا تكون الأساليب والطرق من المدرسة نفسها قمت بمراجعة بعض الكتب الأميركية إضافة إلى تصفح بعض مواقع الأنترنت للجامعات الأنكلوسكونية التي تركز على الجانب التطبيقي أكثر منه على الجانب النظري، وحاولت الخروج بمنهجية توليفية مرنة يمكن الاستفادة منها في جامعاتنا.
فمن المعروف أن المدرسة الأنكلوسكونية تعتمد في تدريسها لمادة القانون أسلوباً مغايرا للمدرسة اللاتينية، إذ إنها تنطلق من الجانب التطبيقي لتستخلص منه النظرية المطبقة، على عكس اللاتينية التي تبدأ بالجانب النظري.
لهذا حاولت في كتابي هذا أن أجمع بين المدرستين فكنت أشرح ما يجب شرحه لإعطاء الطالب فكرة واضحة عن المادة المدروسة، ثم أعمد الى تعداد القواعد واستعراض النصائح التي يمكن للطالب اعتمادها في تطبيقاته العملية. كما
أنني جمعت بين الرأي والمثال، خاصة في القسم التطبيقي لتسهيل فهم المادة. وقد
اعتمدت منهجية مرنة جمعت بين عدة مناهج علمية وفقاً لنوع الموضوع. فقد ركزت أساساً على طريقتي أو منهجي التحليل والتركيب اللذين يعتبران من التصنيفات التقليدية لمناهج البحث العلمي أثناء التطبيق العملي للمناهج العقلية الثلاث )الاستنتاج و الاستقراء والاستنباط( في
مجال العلوم القانونية.
فتتبعت خطى المنهج الاستنباطي والقياس المنطقي في استخراج الحلول القانونية حيناً.
و اعتمدت المنهج
الاستقرائي أحيانا، مثلاً عندما كنت أستقرأ اتجاهات بعض الكتاب القانونيين وأجمع بعض الحقائق والمعلومات الفردية، محاولا وضع قاعدة عامة أو نظرية عامة تحكم المسائل المطروحة. كذلك استعنت بالمنهج الاستدلالي عن طريق تقديم الأسباب والحجج والمبررات للتوصل الى استنتاج ما ،
كما في حل المسائل القانونية. وعندما لزم الآمر استعملت المنهج الوصفي عندما كنت أقوم بجمع الحقائق والمعلومات ومقارنتها وتحليلها وتفسيرها محاولاً الوصول إلى تعميمات مقبولة.
لهذا خصصت قسماً خاصاً للجانب النظري والقسم الآخر للجانب التطبيقي دون الفصل التام بينهما.
فالباب الأول تم تقسيمه إلى ثلاث فصول: في الأول تحدثت عن المنهجية العامة وأنواع المناهج العلمية التي يكمن اعتمادها في الأبحاث القانونية، وعن منهجية التفكير عند الطالب على صعيدي الدرس والإصغاء والامتحانات. فعددت
المناهج وشرحتها بإيجاز وبشكل يسمح بمعرفة كيفية تطبيقها عمليا، ثم عددت بعض القواعد التي يمكن للطالب اعتمادها للتمكن من فهم المادة والنجاح فيها.
أما في الفصل الثاني فتحدثت عن القواعد القانونية ومصادرها وطبيعتها وخصائصها وطرق تفسيرها نظريا، بالشكل الذي يسمح للطالب بمعرفة ما يمكن أن يدور حوله البحث القانوني.
وفي الفصل الثالث تناولت منهجية البحث ابتداءً من اختيار عنوان البحث، والمقدمة وعناصرها، مرورا بجمع المادة والمعلومات المناسبة للبحث، وأخذ الملاحظات وتنظيم الأفكار.
أما في الباب الثاني الذي وصفته بالقسم التطبيقي فقد تم توزيعه إلى ثلاثة فصول، تناولنا في الفصل الأول آلية استخراج الحل القانوني وكيفية حل المسائل، واعطاء الاستشارات القانونية مع أمثلة تطبيقية لكل منها.
وفي الفصل الثاني تناولنا التعليق على القرارات القضائية بعد أن شرحت أقسام القرار ومنهجية التعليق وأعطيت مثالاً عملياً لحكم صادر عن مجلس شورى الدولة مع الحل له.
وفي الفصل الثالث عالجت آلية تحليل نص قانوني مع مثال تطبيقي -يشبه البحث- حول المادة 122 من قانون الموجبات والعقود. واحتراما لقواعد المنهجية ومبادئ التناسق والتوازن في توزيع الأبواب والفصول قمت بإضافة ملحق بمذكرات الاستحضار واللائحة الجوابية كجزء خاص بمنهجية عمل المحامي، وأتبعته ببعض نماذج امتحانات مادة المنهجية.
أنظر أيضا : الضوابط القانونية لكتابة قائمة المصادر و المراجع.
----------------------------------