المحتويات

الحكامة القضائية في ضوء ميثاق إصلاح منظومة العدالة

 

الحكامة القضائية في ضوء ميثاق إصلاح منظومة العدالة



أضحى مفهوم الحكامة القضائية من أكثر المفاهيم الحديثة المتداولة في مختلف النقاشات الدائرة بخصوص إصلاح منظومة العدالة، فمدلول هذا المفهوم يرتبط بالتدبير الرشيد، و الرقابة الجيدة و المواكبة الدائمة و المستمرة.

و بالتالي هي أداة لتدبير الإدارة القضائية و إقامة النظام القانوني و القضائي استنادا إلى مفهوم الشراكة، ليشمل إلى جانب الدولة، القطاع الخاص و مؤسسات المجتمع المدني، و المواطن وفق المنظور الجديد للإصلاح.

 وبقراءة متأنية لمراحل تطور الحكامة القضائية، نجد أن مرحلة ما قبل الحماية كان نظامنا القضائي يستمد أصوله من أحكام الفقه، و الشريعة الإسلامية، التي تعتبر القضاء من وظائف الإمامة و تسنده إلى التقاة من الفقهاء و العلماء الأجلاء المعروفين بالورع و التقوى، و الذين يتوفرون على معارف عالية في الفقه و السنة، و كانوا يحكمون في ما كان يعرض عليهم من قضايا طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية، و الراجح و المشهور، و ما جرى عليه المذهب المالكي. و عليه لم يكن آنذاك الحديث عن الحكامة القضائية كمفهوم معاصر أمرا مطروحا للنقاش إلا أنه بدخول الحماية، عرف النظام القضائي نوعا من التغيير كما عرفت هذه الفترة وضع ترسانة قانونية لا تتوفر فيها أسس و مقومات الحكامة القضائية بمفهومها الحديث.

و بالرجوع إلى لمحة تاريخية حول تجليات الحكامة القضائية في التجارب الدستورية السابقة يتضح لنا أن دستور 1962 أكد في الباب السادس منه على استقلال القضاء كمرفق و كجهاز عن السلطة التشريعية و التنفيذية، و هو توجه أدى إلى إصدار قانون التوحيد و المغربية و التعريب سنة 1965، و قد تم الحفاظ على نفس التوجه مع دستور 1972 الذي تلاه إصلاح سنة 1974، و الذي حدد نظاما قضائيا يجسد مبدأ "وحدة القضاء" و يحترم مبدأ "تعدد درجات التقاضي"، و يقر المجانية و يؤكد على الاستقلالية.

و استمر الوضع على هذا التنظيم إلى حين صدور دستور 1992 و 1996 حيث تم بعدهما إحداث محاكم متخصصة إدارية و تجارية و صدور القوانين المتربطة بمجال المال و الأعمال.

و تجدر الإشارة إلى أن تطور نظام العدالة ببلادنا، واكبه تطور على المستوى السياسي، حيث سجل توافق وطني تاريخي جريء نتج عنه طي لصفحة الماضي، و تعويض المتضررين من بعض الممارسات التي عرفها المغرب خلال فترة عرفت أحداثا كانت نتيجة تفاعل سياسي، و قد توجت هذه الوقفة التاريخية بإنشاء هيأة الإنصاف و المصالحة، التي كان لها من المبادرات ما جعلها تحظى بإعجاب العديد من الدول، بغض النظر عن اختلالات التأسيس بكونها لم تكن منتخبة إلا أن صدور دستور سنة 2011 شكل أساس و نواة لترسيخ معالم الحكامة القضائية، و ذلك من خلال ما جاء في الباب السابع منه، حيث أكد على اعتبار القضاء سلطة مستقلة بذاتها عن باقي السلطة الأخرى علاوة على دسترة حقوق المتقاضين و قواعد سير العدالة.

و بالرجوع إلى بعض التجارب المقارنة نجد أن تحقيق الحكامة القضائية يبقى الهاجس الأكبر للعديد من الدول، فالدستور الفرنسي من خلال الباب الثامن منه، المخصص للسلطة القضائية حدد مكونات هذه الأخيرة و اسند لها مهمة تطبيق القانون و حماية الحريات.

كما أسند الفصل 40 من الدستور البلجيكي ممارسة السلطة القضائية للمحاكم عن طريق البث في النزاعات و مراقبة مشروعية أعمال السلطة التنفيذية مع تطبيق القرارات و الأحكام القضائية باسم الملك.

لذا فان التكريس الدستوري لاستقلال السلطة القضائية، و التأكيد على حقوق المتقاضين و قواعد سير العدالة، كمظهر من مظاهر الحكامة القضائية، لم يأت من فراغ بل شكلت التوجهات الملكية أرضية موجهة له، و محطة قوامها تحقيق الإصلاح، و ترسيخ دعائم دولة المؤسسات.

       و قد شكل خطاب 08 ماي 2012 الملقى بعد صدور الدستور، بمناسبة حفل تنصيب الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، خريطة طريق، و انطلاقة فعلية، لمسار الإصلاح بمشاركة جميع الفاعلين في منظومة العدالة، وفق خطة استراتيجية واضحة المعالم تستقي وجودها من مخطط دقيق قائم على ستة أهداف رئيسية أكد عليها الخطاب الملكي.

وقد اختتم عمل الهيئة بإصدار ميثاق يرتكز على ستة أهداف استراتيجية تصبوا إلى تحقيق الحكامة القضائية، حيث بدلت جهود جبارة لتنزيل هذه الأهداف، من خلال إصدار نصوص تشريعية تعزز استقلال السلطة القضائية، كالقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، كالقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، و النظام الأساسي للقضاة، و أخرى لازالت قيد الدراسة ترتبط بالنظام القضائي كمشروع قانون التنظيم القضائي و مشروع قانون المسطرة المدنية و الجنائية و القانون الجنائي و قانون المحاماة ذات الصلة بالقضاء من حيث إخفاق الحقوق في المحاكمة العادلة.

استنادا إلى ما سبق يمكن طرح التساؤل التالي:

ما مدى استجابة الأهداف الرئيسية و الفرعية المضمنة في ميثاق إصلاح منظومة العدالة، لإصلاح شامل و عميق ينسجم مع الثوابت الدستورية ذات الصلة بالحكامة القضائية؟

يمكن القول إن الأهداف المنصوص عليها في ميثاق إصلاح منظومة العدالة و إن استجابت لمرتكزات الإصلاح الشامل و العميق الذي أطرها الدستور، إلا أن واقع تنزيلها يتطلب الزمن الكافي لتحقيق المقاصد المعقودة و الأهداف المنشودة.

المبحث الأول: تشخيص واقع الحكامة القضائية

المبحث الثاني: آفاق الحكامة القضائية الكفيلة بتحقيق إصلاح شامل و عميق


    للاطلاع على البحث كاملا يرجى تحمليه بالضغط هنا pd

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-