المحتويات

حماية الأجير في مدونة الشغل عند إنهاء عقد الشغل

 

حماية الأجير في مدونة الشغل عند إنهاء عقد الشغل



إن الإنسان كائن اجتماعي، فهو لا يستطيع أن يعيش بمفرده بمعزل عن الآخرينـ لذلك قيل إن ظاهرة الاجتماع ظاهرة حتمية في حياة البشر، و لهذه الظاهرة مقتضيات أساسية متعددة، و لن نبالغ إذا قلنا أن من أهمها العمل، هذا الأخير يعد بالنسبة إلى الغالبية العظمى من الناس المصدر الوحيد لمعيشتهم، بل و بفضله استطاعت مختلف المجتمعات  أن تطوع الطبيعة لخدمتها و أن تصل إلى درجات من الثروات و الدخول القومية.

و من هنا تظهر الأهمية الكبيرة التي يتمتع بها عقد الشغل، لذلك فقد استقل هذا الأخير بأحكام خاصة تميزه عن باقي العقود المدنية، لعدة أسباب لعل أهمها هو أن هذا العقد يقع على عمل الإنسان، و يتعلق باستقرار المجتمع، سواء على المستوى الاقتصادي أو الإجتماعي أو السياسي.

و قدد بدأت بوادر تنظيم قانون الشغل بالمغرب تظهر في عهد الحماية، بصدور ظهير الالتزامات و العقود لسنة 1913، تلاه بعد ذلك إصدار مجموعة من الظهائر في فترة الحماية و بعدها، إلى أن أصدر المشرع مدونة الشغل سنة 2003.

هذا و يحتل تقسيم عقود الشغل إلى محددة المدة و غير محددة المدة مركزا أساسيا في قانون الشغل، سواء في التشريع القديم أو في إطار مدونة الشغل، نظرا لمختلف الأثار التي تترتب عن هذا التقسيم سواء بالنسبة للأجراء أو بالنسبة لأرباب العمل.

و إذا كان هدف الأجير هو الاستقرار في شغله، فالعقد غير محدد المدة في هذه الحالة هو الأنسب له، نظرا لما يوفره من ضمانات و امتيازات للطبقة العاملة، خاصة المرتبطة منها بإنهائه، و عكس ذلك فأرباب العمل و إن كانوا في مرحلة معينة يتعاقدون في إطار هذا النوع من العقود، فإنه و نظرا للتحولات التي عرفتها المقاولة على المستوى الاقتصادي أصبحوا يفضلون اللجوء إلى التعاقد في إطار عقود الشغل محددة المدة.

و هذا راجع كذلك بالأساس إلى كون إنها هذا النوع من العقود لا يطرح إشكالا عند إنهائه، و خصوصا كونه مرتبط بمجال المقاولة، مما تطرح معه حدة التعارض بين منطقين يصعب التوفيق بينهما و هما منطق حماية الحقوق الاقتصادية للمشغل و منطق تكريس مبدأ الحق في التشغيل.

و اعتبارا لما يطرحه إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة بالإرادة المنفردة لطرفيه من إشكاليات، فإن مجال هذا البحث لن يمتد إلى الأسباب الأخرى المنهية لعقد الشغل غير المحدد المدة و التي يشترك فيها مع عقد الشغل المحدد المدة، كاتفاق الطرفين و الإبطال و استحالة التنفيذ و غيرها من الأسباب المنهية للعقود على اختلاف أنواعها.

و لئن سمح المشرع بإنهاء عقد الشغل غير المحدد المدة بالإرادة المنفردة، تأكيدا لمبدأ عدم تأبيد الروابط التعاقدية، فتفاديا منه الإضرار بالوضع الاجتماعي و الاقتصادي الذي قد يلحق كلا من الأجير و المشغل من جراء إنهاء العلاقة الشغلية، فقد قيد ذلك بوجوب إتباع إجراءات مسطرية خاصة لا علاقة لها بالمقتضيات العامة المتعلقة بالفسخـ إضافة إلى استلزامه ضرورة الاستناد في هذا الإنهاء إلى ضوابط و مبررات موضوعية، في غيابها يتسم الإنهاء بطابع عدم المشروعية، و ما يستتبعه من جزاءات مدنية تثقل كاهل المخل بها من أطراف العلاقة الشغلية، و هو ما يعطي للقضاء دورا خاصا في هذا المجال يقتضي منه تجاوز الاقتصار فقط على تطبيق النص القانوني، إلى البحث عن الحل الذي من الممكن أن يتبناه المشرع، ولو في غياب نص قانوني، و لا سيما تحقيق عنصر التوازن في علاقة الشغل، خدمة لمصلحة المقاولة و الأجراء، أخذا منه بعين الاعتبار الأبعاد و فلسفة القانون الاجتماعي، الذي يفترض فيه أن يتطور بشكل مواز لتطور العلاقات داخل المجتمع بصفة عامة، و علاقة الشغل بصفة خاصة.

وعلى أي فإنهاء عقد الشغل غير محدد المدة لا يعني إخفاؤها من الوجود و اعتباره كأن لم يكن، بل على العكس من ذلك يرتب أثارا مختلفة في حالة ثبوت عدم احترام الضوابط و القيود التي سنها المشرع لإنهاء عقد الشغل.

هذا وقد كانت من بين الدوافع التي قادتني لاختبار هذا الموضوع و الخوض   فيه عدة أهمها:

الوقوف على مدى الحماية القانونية، إلى جانب الحماية القضائية للطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية، عند إنهاء عقد الشغل غير المحدد المدة باعتباره المورد الأساسي لعيش الأجير و أسرته.

لما للأهمية التي يكتسيها عقد الشغل غير المحدد المدة بالمقارنة مع إنهاء عقد الشغل محدد المدة بالنسبة لأطراف العلاقة الشغلية على مستوى إنهائه، و بذلك فالإقبال عليه واسع.

هذا وقد جاءت مدونة الشغل بمستجدات و لا سيما على مستوى إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة لإقرارها و لأول مرة خضوع قرارات المشغل للرقابة القضائية، مما يدفع بنا إلى محاولة الوقوف على مدى التفعيل القضائي لهذا المقتضى القانوني.

انطلاقا مما سبق، نتساءل عن مدى قدرة المشرع من خلال مدونة الشغل الجديدة حماية الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية، و بالتالي خلق التوازن المتطلب بين طرفي عقد الشغل غير المتكافئين مع الحفاظ على المصالح الاقتصادية للمشغل و ضمان حقوق الأجير؟

و هل هناك لأي دور للقضاء في هذه الحماية؟ و هل حضية الضمانات التي تواكب إنهاء عقد الشغل بعناية كبير من طرف التشريع و الفقه و القضاء؟ و هل تعتبر التعويضات المقررة في حالة إنهاء عقد الشغل، كافية لتعويض الأجير المفصول  عن شغله و بالتالي اعتبارها من الضمانات المقررة في مثل هذه الحالات؟

محاولة منا للوقوف على مختلف الإشكاليات المثارة أعلاه، ارتأينا معالجة هذا الموضوع من خلال تقسيمه إلى فصلين و فقا للآتي:

الفصل الأول: ضمانات إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة

الفصل الثاني: آثار إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة

 

للاطلاع على البحث كاملا يرجى تحميله بالضغط هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-