دور القضاء الاجتماعي في حماية الأجير
بعدما كانت
العلاقة الاجتماعية منظمة بمقتضى قواعد القانون المدني و بمجموعة من النصوص التي
كانت مشتتة في العديد من المراسيم و القرارات الوزيرية فقد أصبحت الحاجة ملحة إلى
تجميع و تحيين النصوص ذات الطابع الاجتماعي في مدونة واحدة يسهل الاطلاع عليها و
استعمالها من طرف مختلف الفاعلين الاجتماعين و الاقتصاديين و رجال القانون من قضاة
و محامون و أساتذة باحتين و غيرهم من المهتمين.
و هكذا جاءت مدونة الشغل المغربية في وقت
يسعى فيه المغرب إلى فتح أوراش التأهيل الاقتصادي و الاجتماعي، للاستجابة لرهانات
التنمية و تحديات العولمة و لفتح المجال أمام الاستثمار الوطني و الأجنبي في
القطاع الخاص.
إن الفلسفة العامة
لتوجه مدونة الشغل هي حماية أطراف علاقة الشغل و الحيلولة دون كل ما من شأنه تهديد
استقرارها و يتضح ذلك جليا من خلال التدخل التشريعي في كل صغيرة و كبيرة من أجل
تنظيم تلك العلاقة حتى لا تكون مصدرا لنزاع، أو سببا لإنهاء علاقة الشغل.
و إذا كانت مدونة الشغل تشكل مصدرا رسميا
للقواعد القانونية للشغل، فإنه رغم ضخامة عدد موادها، فلا تستطيع أن تتوقع كل شيء،
فضلا على أنها ستبقى حبرا على ورق، إذا لم يكن هناك جهاز قضائي يكفل تطبيق ما
تقرره مدونة الشغل من ضمانات و حقوق على أرض الواقع.
فالقضاء يعتبر مصدرا غير رسمي، مصدرا تفسيريا للقاعدة
القانونية، يساعد على تجلية ما قد يكتنفها من غموض ويوضح ما قد يعتريها من إبهام،
فهو مصدر للاستئناس، يسترشد به للتعرف على حقيقة القاعدة القانونية المستمدة من
المصادر الرسمية، فبدون القضاء لا يمكن أن تؤدي القاعدة القانونية وظيفتها ذلك أن
التشريع لا يكون كاملا و متضمنا الحل لكل نزاع يعرض أمام القضاء.
أمام هذا الوضع يمكن القول أن للقضاء دور ليس فقط في
تطبيق القاعدة القانونية، بل في خلقها من خلال مجموع الأحكام و القرارات التي
تصدرها المحاكم باستقرار.
لقد بانت القرارات و الأحكام أن جزءا من التشريع قد تطور
بفعل القضاء الذي تضمن حلولا لنزاعات بين أشخاص طبيعية و معنوية ذات مصالح مختلفة
و هي حلول لا يمكن القول بأنها اصلاح كامل بمعنى الانقلاب القانوني، لأن الغاية
ليست التحول الجدري و لكن سد الثغرات ضمن ظرف قانوني، سلفي، معقد يشهد على مكتسبات
اجتماعية يقتضي الأمر الإبقاء على فعاليتها أكثر من التفكير في هدمها.
إن القضاء الاجتماعي اليوم تكبر باستمرار، طالما أن
العلاقات التعاقدية تتعدد و تتغير و تتطور، و طالما أن مدونة الشغل لا تبرز الحلول
من منطلق النص الواحد، فهي لا تشكل عاملا و حيدا للوصول إلى الحق، و بالتالي يبقى
من الصعب عدم الاعتداد بالرؤى التي يعتمدها العمل القضائي للمستقبل فالمشرع مهما
بلغ من الحيطة و الذكاء، عند وضع النص القانوني، فلابد عند وضعه للقاعدة القاعدة
العامة أن يتستعين بالقضاء.
و عموما فإن القضاء الاجتماعي قد كرس الطابع الحمائي للعلاقة
التعاقدية التي تجمع بين طرفين الانتاج من منطلق اعتبار الأجير الطرف الضعيف في
المعادلة و لعل هذا ما يمكن تسجيله من مختلف الأحكام و القرارت الواردة في هذا
الإطار.
إن القضاء الاجتماعي المغربي و هو يكرس هذا المفهوم
الحمائي التقليدي لمودنة الشغل، من خلال المنازعات التي تعترض عليه، لا يقوم بذلك
بمعزل عن الاعتبارات التي وضعها المشرع المغربي في القانون الاجتماعي، مما يفسح
لنا المجال في التساؤل عن الدور الذي يلعبه القضاء في التكريس لهذه الحماية؟
فإذا كان القانون يخول الحرية في إبرام و تنظيم العلاقة
التعاقدية للأطراف بحيث يبقى لهم الحق في اختيار طبيعتها، فإن للقضاء عند المنازعة
دور التأكد من هذه العلاقة و في تحديد طبيعتها، بتكييفها الصحيح الواقعي.
و إذا كانت مدونة الشغل تعطي للمشغل سلطة تأديب أجراء،
فإن للقضاء الاجتماعي الحق في بسط رقابته على هذه السلطة.
هذا و إذا كانت مدونة الشغل قد خولت للمشغل الحق في فصله
إذا ما تبين له أنه ارتكب خطأ جسيما يجيز ذلك، فإن للقضاء الاجتماعي الحق في
مراقبة مدى احترامه للقواعد و الاجراءات المقررة للفصل.
و أمام هذه المواكبة للقضاء لمختلف مراحل العقد من
إبرامه إلى تنفيذه و إلى انتهائه، فإنه لا يسعنا سوى أن نتساءل حول مدى قدرة
القضاء في توفير الحماية اللازمة للأجير و ذلك بالعمل وفق الهدف المنشود
للمدونة و وفق ما يفرزه الواقع العملي من إشكالات قد تعيقه.
أهمية البحث:
إن القاعدة القانونية لا يمكن أن تضع حلا لكل جوانب
الحياة الاجتماعة بفعل التطور السريع الحاصل في ميدان الشغل، لهذا فإنه يبقى
للقضاء الدور المهم في تطبيق هذه القواعد على أرض الواقع، و وضع حل لكل ما يطرح
أمامه من مستجدات قد لا يوجد لها نص ينظمها في مدونة الشغل، أو قد يصعب تفسير
القواعد المنظمة لها.
من هنا تظهر لنا أهمية البحث، ذلك أن القضاء يبقى الجهة
الوحيدة التي تلجأ إليها الأطراف لحل نزاعاتهم، كما أنه الجهة الوحيدة التي يمكن
أن تلعب دورا في سد الفراغ التشريعي الذي قد يستغله بعض أرباب العمل للتحايل على
القانون و بالتالي إلحاق ضرر بالتوازن الذي هدف المشرع إلى إحقاقه.
الإشكالية:
سنتناول موضوع البحث من خلال إشكالية محورية طرحت نفسها
و التي سوف تجيب بدورها على مجموعة من الإشكالات الفرعية و هي:
مدى توفق القضاء المغربي في تكريس الطابع الحمائي للأجير
تتأرجح بين القواعد القانونية و إفرازات الواقع العملي؟
منهجية البحث:
سنعتمد خلال هذا البحث على دراسة ميدانية و ذلك بإبراز
موقف محكمة التدريب من مختلف النقط القانونية المثارة بالبحث، عن طريق استحضار أهم
الأحكام و القرارات التي تهم الموضوع.
الصعوبات التي اعترضت البحث:
لقد واجهتنا أثناء تحرير هذا الموضوع بعض المعوقات تجلت
في:
-
صعوبة الحوصل على الأحكام نظرا لتزامن ذلك مع
فترة الإضراب الذي شل العمل داخل محكمة
التدريب؛
-
قلة الأحكام، على اعتبار أن الدائرة
الإستئنافية لمدينة الجديدة لا تشهد كثرة النزاعات التي تهم الشأن الإجتماعي؛
-
عامل الوقت الذي لم يكن في صالحنا.
خطة البحث:
و للإحاطة بكل الأسئلة المتعلقة بالإشكالية المدروسة، و
في إطار المنهجية المذكورة، قمنا بتقسيم هذا العمل إلى فصلين:
الفصل الأول:
سنتناول فيه الحماية القضائية للأجير أثناء استمرار
العلاقة التعاقدية، من خلال تقسميه إلى مبحثين، حيث خصصنا في المبحث الأول دراسة
دور القضاء في إثبات و تكييف عقد الشغل، و في المبحث الثاني إلى الدور في مراقبة
السلطة التأديبية.
الفصل الثاني:
و قد خصصنا هذا الفصل للوقوف على الحماية القضائية للأجير خلال إنهاء عقد الشغل، و ذلك بتقسيمه إلى مبحثين، نتناول في الأول منه لدراسة دور القضاء في مراقبة مسطرة الفصل، و في المبحث الثاني إلى دوره في مراقبة مقرر الفصل.
للاطلاع على البحث كاملا يمكنكم تحميله بالضغط هنا.