المحتويات

تأويل العقود في قانون الالتزامات و العقود المغربي- د.محمد شيلح pdf

   

     المقدمة: 

    أولا: تحديد مفهوم التأويل

حسب الأسطورة الإغريقية، فإن هيرميس (Hermès) كان مؤولا: أي أنه كان من جهة أولى وسيطا أو رسولا، و من جهة ثانية ناقلا للمعاني من لغة إلى أخرى أي مترجما، و من جهة ثالثة كاشفا و مبينا للمعاني الخفية للوحي و بالتالي صاحب خطابة و قراءة للمستقبل.

و لقد كان المؤول (Interpres) لدى الرومان هو ذلك الموفق (Conciliateur) بين نصوص قانون الألواح الإثني عشر و المستجدات الاجتماعية. و من هنا كان التأويل كفن هو القانون في الطريق نحو التشكل، هو القانون الحي.

و إذا كان من الجدير أن تؤخذ هذه الإشارة في الاعتبار من قبل من تناط به في الوقت الراهن مهمة التأويل، فإننا لا نرمي من ورائها في هذا الصدد إلا إلى التأكيد على التأويل مفهوم يحتمل أكثر من معنى ان على مستوى اللغوي او على المستوى الإصطلاحي.

1- تحديد مفهوم التأويل لغة

ذهب أوبو هلال العسكري إلى أن: "أصل التأويل في العربية من ألت إلى الشيء أؤول إليه إذا صرت إليه...". و حسب معجم مقاييس اللغة فإن: "(أول) الهمزة و الواو و اللام أصلان: أبتداء الأمر و انتهاؤه، أما الأول فالأول  وهو مبتدأ الشيء و المؤنثة الأولى .... و الأصل الثاني قال خليل: الأيل الذكر من الؤول و الجمع أيائل و إنما سمي أيلا لأنه يؤول إلى الجبل يتحصن... و أل يؤول أي رجع ... قال الخليل أل اللبن يؤول أولا وأولا: خثر.... و الإيالة السياسة .... لأن مرجع الرعية إلى راعيها ... و آل الخيمة: العمد... و الآلة: الحالة ... و من هذا الباب تأويل الكلام و هو عاقبته و ما يؤول إليه...".

و لقد تتبع السيد عبد الغفار كلمة "التأويل في معاجم اللغة العربية و لاحظ بأنها تحتمل معاني عدة؛ فأورد دلالاتها الغالبة في الاستعمال و هي كالتالي: أولا: المرجع و المصير، ثانيا: التغيير، ثالثا: الوضوح و الظهور، رابعا: التفسير و التدبر.

و بعدما تبين له ما يوجد من تقارب بين الدلالتين الأولى و الثانية من جهة، و بين الدلالتين الثالثة و الرابعة من جهة أخرى ارتأى أن يحمل "المعاني اللغوية للتأويل في معنيين هما: المرجع و المصير، و التقسير و التدبر"

و إذا كان التفسير من المعاني اللغوية للتأويل؛ فإن هناك من يميز بينهما لغويا.

و هكذا فإن "فإن التفسير -حسب أبي هلال العسكري- هو الإخبار عن أفراد آحاد الجملة و التأويل الإخبار بمعنى الكلام.... و تفسير الكلام أفراد آحاد الجملة و وضع كل شيء منها موضعه و منه أخذ تفسير الأمتعة بالماء...". و لا شك أن هذا الاختلاف حول مدلول كل من التأويل و التفسير نجده مكرسا حتى على مستوى المعنى الاصطلاحي.

2- تحديد مفهوم التأويل اصطلاحا

إن التأويل، في الاصطلاح كما في اللغة، مفهوم مبهم الاستخدامه في المؤلفات المتصلة بالقانون على وفق أكثر من معنى. و في هذا الصدد ذهب فروبلفسكي (wroblewski) إلى التأويل في معناه الاكثر اتساعا يرادف إدراك المعنى أو المدلول. و في معناه الواسع يرادف فهم عبارة معينة. و في معناه المضبوط فإن التأويل يقوم عندما يكون معنى العبارة مثار شك، و يتدخل لتحديد هذا المعنى بمساعدة توجيهات التأويل الخاصة باللغة المتضضمنة لتلك العبارة.

إن هذا المعنى المضبوط للتأويل هو المتداول لدى كثير من الفقهاء. و هكذا فإن التأويل -حسب دولومب- هو استخدام بعض الأساليب الاستدلال من أجل الكشف عن المعنى الخفي للاتفاق و الوقوف على النية الحقيقية للطرفين.

إن التأويل، بهذا التحديد، فن لاكتشاف الأفكار المعبر عنها بالقول المنطوق أو المكتوب كما قال تولييه (Toillier)، للبحث عن المدلول الحقيقي للتصرف القانوني أو المدلول الفعلي للعبارة، أي لتصريح هذه الأخيرة.

و هكذا فإن التأويل و إن كان يشكل نشاطا فكريا -أو نتيجة لهذا النشاط- يتمكن القائم به من استخلاص معنى المطلوب في التأويل؛ فإن هذا الأخير لا يخرج معناه المضبوط -كما يذهب إلى ذلك البعض- عن تحديد معنى التعبير، أو تحديد هدف و مضمون العقد و بالتالي البحث عن إرادة المتعاقدين كما يرى البعض الآخر. لا بل الأكثر من هذا، فإن فبروكت لا يرى في التأويل إلا مجرد تفسير لما هو غامض أو مبهم. و بهذا التصور لا يكون مفتاح التأويل متوافرا إلا لدى ليتري (Littré) متى كان العقد محررا باللغة الفرنسية أو ترجمة إلى العربية، أو لدى صاحب لسان العرب أو تاج العروس أو معجم مقاييس اللغة -على سبيل المثال- متى كان العقد محررا باللغة العربية.

إن هذا التحديد الرامي إلى جعل الأصل في الألفاظ أو العبارات أو العقود بصفة عامة أنها صريحة (واضحة) و بالتالي الاصل عدم التأويل؛ هو المعتمد لدى الجمهور في الفقه الإسلامي أيضا إذا "العمل بالظاهر" حسب هذا الفقه هو "الأصل". و لذلك  نجد الشافعي ينظر إلى التأويل على أنه "حمل اللفظ من معنى من المعاني التي يحتملها تأويلا.... و لا يكون ذلك إلا بدليل. و في نفس هذا الاتجاه ذهب ابن رشد إلى أن: "معنى التأويل هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية من غير أن يخل ذلك بعادة لسان العرب في التجوز من تسمية الشيء بشبيهه أو بسببه أو لا حقه أو مقارنه أو غير ذلك من الأشياء التي عددت في تعريف أصناف الكلام المجازي". لا بل لا يرى الأصوليون ما يتميز به معنى التأويل عن معنى التفسير خارج كون هذا الأخير إنما يفضي إلى بيان المراد من الكلام على سبيل القطع في حين يقتصر الأول على بيانه على سبيل الظن؛ أي يرمي إلى صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى مرجوح يحتمله لدليل دل على ذلك.

و التأكيد على الدليل الذي يترجح به المعنى المحتمل لقيام التأويل، يدفع إلى التساؤل عن علاقة هذا الأخير بالإثبات.

للإطلاع على الكتاب كاملا يرجى تحميله بالضغط هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-